واقع الصناعة “شاقّ”..كيف يؤمّن دولار الاستيراد؟
اضطر محمد صاحب مصنع للورق في منطقة بعاصير، لرفع أسعاره بنسبة 60%، للمحافظة على بقاء واستمرارية مصنعه بعدما أرهقته أسعار المواد الأولية والمحروقات ورحلة تأمين السيولة بالدولار.
يقول محمد أن “هامش ربحه انخفض رغم الزيادة في الأسعار، نحن نراعي أحوال وظروف الناس أيضاً ونسعى للمحافظة على زبائننا، وعلى بقاء موظفينا في عملهم”.
ويتابع: “الصناعة المحلية انتعشت في أول الأزمة مع بداية تحليق الدولار ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج بالعملات الأجنبية بشكل كبير، مقابل تراجع حجم الاستيراد بسبب شح السيولة بالدولار، ما زاد من الطلب على السلع والمنتجات اللبنانية الأقل سعراً والتي تضاهي المنتح المستورد، هذا الواقع لم يدم أكثر من أسابيع معدودة ليتأتي كابوس رفع الدعم ويقضي على آمالنا المعلقة على القطاع، متمنياً إيجاد الحلول المناسبة ومساعدة الصناعيين على تأمين الدولارات من أجل إنقاذ الصناعة في لبنان قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة”.
القطاع الصناعي اللبناني في لبنان كغيره من القطاعات الاقتصادية تضرّر بفعل الأزمة الاقتصادية، فماذا عن واقع الصناعة ومستقبلها؟ ما هي أبرز المعوقات والتحديات التي يعاني منها القطاع، وهل يكون مدخلاً أساسياً للخروج من الأزمة؟ وكيف يؤمّن الصناعيين الدولارات اللازمة للاستيراد؟
نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش يقول لـ “أحوال.ميديا”: “يعيش لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة لا تشبه أي من أزمات العالم، بعد أن انهار النظام المالي تحت وطأة الديون السيادية والطرق غير المستدامة التي كانت تمول بها بينما لم يخرج السياسيون بعد بخطة إنقاذ”.
ويضيف: “المخطط الممنهج من المنظومة السياسية ضرب كل القطاعات، السياحي والمصرفي والاستشفائي والتربوي والزراعي وعينهم اليوم على ضرب القطاع الصناعي”.
ويأسف بكداش لتوقفت الاستثمارات في لبنان وحركة التصدير إلى دول الخليج ما أدى الى خسارة السوقين السعودي والبحريني والذي ساهم في خسارة 25% إلى 35% من مبيعات القطاع”.
وفيما يؤكد بكداش أنّ القطاع الصناعي تراجع بنسبة 50% عما كان عليه قبل العام 2019، إلا أنه لا يخفي الدور الايجابي للقطاع ومساهمته في تخفيض فاتورة الاستيراد خصوصاً بعد تدهور سعر صرف الليرة.
ويلفت إلى أن “الصناعيين في لبنان منقسمون الى ثلاثة فئات منهم من يبيع فقط في الاسواق الداخلية، ومنهم من يعتمد في عمله على التصدير فيما قسم آخر يعتمد البيع على الاسواق الداخلية والخارجية معاً”.
ويشرح: “من يعملون في الأسواق الداخلية في القطاعات الاستهلاكية ومنها الأدوية ومواد التنظيف والتجميل وغيرها، ارتفعت نسبة مبيعاتهم إلى 35% تقريباً، أما بالنسبة للفئات الأخرى فقد تراجعت نسبة مبيعاتهم إلى 50% تقريباً، لأن المشكلة الأساسية ترتبط بالقدرة الشرائية للمواطن التي تدهورت بفعل الأزمة”.
وفيما يخص موضوع تأمين الدولارات للاستيراد فيشير بكداش الى أن عمليات البيع والشراء أصبحت كلها من خلال الـ cash economy، ورغم حسنات هذه الآلية إلا أنها لا تخلو من السيئات، فنسب المبيعات ينخفض عند استخدام آلية الدفع النقدي خصوصاً وأن ليس الجميع لديه السيولة النقدية، وعلى سبيل المثال يشتري المصنع البضائع نقداً ويبيعها نقداً ولكن ليس كل المواطنين يستطيعون الشراء بنفس الطريقة ما يؤدي إلى تراجع نسب المبيعات”.
ويتابع: “بعض الصناعيين لديهم أموال في الخارج وهذه الفئة لم تتأثر بالأزمة، أما الفئة الأكثر تضرراً من الأزمة فهم الذين يبيعون البضائع في مستودعاتهن نقداً ليعودوا بعدها ويشترووا المواد الأولية اللازمة لمصانعهم ولكن هذه العملية الاقتصادية بطيئة جداً”.
ويضيف: “وهناك قسم من الصناعيين يحصلون على الدولارات من الاسواق، فيما يؤمن قسم آخر الدورلات من خلال الاتفاقية المبرمة بين جميعية الصناعيين و”الأوكسيجين فاند” وهي مؤسسة خاصة شبيهة بالمصرف ولكن مصاريفها مرتفعة وهي طريقة جيدة بالنسبة للصناعيين الذين يريدون شراء المعدات والماكينات”.
ويختم: “رغم كل الظروف التي يمر بها القطاع الصناعي الا أن وضعه ما زال مستقراً بالنسبة للقطاعات الاخرى، وتدنّي فاتورة الإستيراد أدّت لصعود الصّناعة، كما أنّ سعر المنتج المستورد ارتفع نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، أما كلفة الإنتاج في الصّناعة المحلّيّة تبقى أدنى من الإستيراد وبمواصفات عالية”.
رغم أن الصناعة اللبنانية تواجه جملة من التّحديات التي تقف حائلاً أمام تطورها، يرى المحلل الاقتصادي د. طالب سعد أنّ قطاع الصناعة من أبرز القطاعات التي من شأنها أن تساهم في تعافي اقتصاد البلد المنكوب، نحن اليوم ورغم الازمة أمام فرصة ذهبية يمكن من خلالها تحويل لبنان نحو قطاعات الانتاج سواء في الصناعة أو الزراعة خصوصاً وأن 80% من استهلاكنا يعتمد على السلع المستوردة من الخارج، والتي تحتاج الى العملات الصعبة، لذلك من الضروري جداً الاهتمام بقطاع الانتاج المحلي للتخفيف من فاتورة استيراد السلع”.
وعن معوقات تطوير القطاع الصناعي، يشير سعد إلى أن أكبر معوق للقطاع الانتاجي في لبنان يعود لمشكلة الطاقة والكهرباء وارتفاع فواتيرهما وعدم توفرهما، لافتاً إلى أنّ زيادة أسعار النفط التي تسببت في ارتفاع تكاليف الإنتاج.
ومن المعوقات التي تحدث عنها: البروقراطية الادارية لدى الدولة والقطاع العام والهدر والفساد ومشاكل الضمان الاجتماعي التي أرهقت الصناعي والقطاعات الاناجية، اضافة الى افتقار القطاعي الصناعي المناطق الصناعية ذات المواصفات والشروط الاساسية لتطويره”.
في حال استطعنا ايجاد الحلول لهذه المشاكل التي عددتها سابقاً إذاُ بإمكاننا ان نسمح للمصنّع اللبناني منافسة الاسواق المجاورة وعدم اغراق الاسواق المحلية بالسلع المستوردة.
وعرض سعد أبرز الفرص المتاحة لنمو القطاع الصناعي وذلك من خلال زيادة الصادرات وزيادة الدخل بالعملة الأجنبية على الدخل اللبناني وتحسين الميزان التجاري وتحسين ميزان المدفوعات لمصلحة العملة الأجنبية المتعطش لها لبنان، وبالتالي نكون قد ساهمنا في دعم الصناعيين والشركات، المحافظة على اليد العاملة، خلق فرص عمل جديدة والحد من الهجرة، خلق استمرارية للقطاع الصناعي وتطويره لرفع نسبة التصدير وتحسين جودة الانتاج للنجاح أكثر بمنافسة الشركات العالمية.
ناديا الحلاق